فصل: تفسير الآيات (41- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [22].
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أي: ما يستوي أحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله، ومعرفة تنزيله، وأموات القلوب؛ لغلبة الكفر عليها حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء} أي: يوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} أي: كما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله، فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينتفع بمواعظ الله وبيان حججه، من كان ميت القلب عن معرفة الله وفهم كتابه وواضح حججه. وهذا ترشيح لتمثيل المُصرّين على الكفر بالأموات، وإشباع في إقناطه عليه الصلاة والسلام، من إيمانهم.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [23].
{إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ} أي: ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر، فإن كان المنذَر ممن يسمع الإنذار نفع، وإن كان من المُصرّين فلا عليك.

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [24].
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} أي: وما من أمة من الأمم الدائنة بملة، إلا مضى فيها نذير من قبلك ينذرهم على كفرهم بالله، ويزيح عنهم العلل كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] وكقوله سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل: 36].

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [25].
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي: وإن يكذبوك ولم يستجيبوا لك، فلا تبال بهم وتأس بمن كُذّب من الرسل السالفة، فقد جاءوهم بالآيات، والخوارق المحسوسة على صحة نبوتهم، وبالصحف المرشدة لهم إلى مسالك الفلاح والنجاح، وبالكتاب المنير لمن تدبره وتأمله، أنه الحق الناطق بالصواب والصدق، وليس المراد أن كل رسول جاء بجميع ما ذكر، حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب، بل المراد أن بعض الرسل جاء بهذا، وبعضهم جاء بهذا، وجوز أن يراد بالجميع واحد، والعطف لتغاير الأوصاف.

.تفسير الآية رقم (26):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [26].
{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: إنكاري بالعقوبة، وفيه مزيد تشديد وتهويل لها.

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [27].
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} قرأ الجمهور: {جُدَدٌ} بضم الجيم وفتح الدال، جمع جُدة بالضم، وهي الطريقة من جدَّه إذا قطعه، أي: ومن الجبال ذوو جدَد، أي: طرائق بيض وحمر، وإنما قدر المضاف؛ لأن الجبال ليست نفس الطرائق. وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد، يقال: أسود غربيب، كما يقال: أحمر قان، وأصفر فاقع، تأكيداً. وإما قدم هنا، ومن حق التوكيد أن يتبع المؤكد للمبالغة، ورأى بعضهم أنه مقدم من تأخير، ذهاباً إلى جواز تقديم الصفة على موصوفها.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [28].
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} أي: اختلافاً كذلك، أي: كاختلاف الثمرات والجبال. وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} تكملة لقوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} [فاطر: 18]، بتعيين من يخشاه عز وجل من الناس، بعد بيان اختلاف طبقاتهم، وتباين مراتبهم، أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل، وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح، توفية لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان، أي: إنما يخشاه تعالى بالغيب، العالمون به عز وجل، وبما يليق به من صفاته الجليلية، وأفعاله الجميلة؛ لما أن مدار الخشية معرفة المخشي والعلم بشؤونه، فمن كان أعلم به تعالى، كان أخشى منه عز وجل. كما قال عليه الصلاة والسلام: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له». ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته، وحيث كان الكفرة بمعزل من هذه المعرفة، امتنع إنذارهم بالكلية. أفاده أبو السعود.
وقال القاشاني: أي: ما يخشى الله إلا العلماء العرفاء به؛ لأن الخشية ليست هي خوف العقاب، بل هيئة في القلب خشوعية انكسارية عند تصوّر وصف العظمة، واستحضاره لها، فمن لم يتصوّر عظمته لم يمكنه خشيته، ومن تجلى الله له بعظمته، خشيه حق خشيته، وبين الحضور التصوّري الحاصل للعالم غير العارف، وبين التجلي الثابت للعالم العارف- بون بعيد- ومراتب الخشية لا تحصى بحسب مراتب العلم والعرفان. انتهى.
ويذكر بعض المفسرين هنا القراءة الشاذة. رفع الاسم الجليل ونصب العلماء، ويتأولون الخشية بالتعظيم استعارة، وربما استشهدوا بقوله:
أَهَاْبُكَ إِجْلَاْلاً وَمَا بِكَ قُدْرَةٌ ** عَلَيَّ وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيْبُهَا

وقد طعن في النشر في هذه القراءة، والحق له؛ لمنافاتها للسياق والسباق، وما أغنى المنقحين عن تسويد الصحف بمثل هذه الشواذ! وبالله التوفيق.
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} أي: غالب على كل شيء بعظمته، غفور لمن تاب وأناب وعمل صالحاً.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [29].
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} أي: يداومون على تلاوته وتدبره، للأخذ بما فيه: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} أي: أجراً وفضلاً لا يفنى، والتجارة استعارة لتحصيل الثواب بالطاعة، والبوار بمعنى الكساد والهلاك ترشيح للاستعارة.

.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [30].
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي: لأعمالهم، والشكر مجاز عن الإثابة والجزاء بالإحسان.

.تفسير الآيات (31- 32):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [31- 32].
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} أي: ثم، يعد أخذ الذين كفروا، أورثنا الكتاب الذي هو أعظم فضل، وعناية، ورحمة، المصطفين من الموحدين. ثم بين انقسامهم في العمل به إلى ثلاثة، بقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} أي: بالإثم والعصيان: {وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} أي: في العمل، ليس من المجرمين، ولا من السابقين: {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

.تفسير الآيات (33- 34):

القول في تأويل قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [33- 34].
.........

.تفسير الآية رقم (35):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [35].
{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} أي: الإقامة: {مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} أي: تعب: {وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} أي: كلال.

.تفسير الآيات (36- 37):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [36- 37].
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} أي: أو ما عشتم في الدنيا أعماراً ينتفع فيها من يتذكر ويتبصر؟ قال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة. فتعوذ بالله أن تغتر بطول العمر، وقد نزلت هذه الآية، وإن فيهم لابن ثماني عشرة سنة.

.تفسير الآيات (38- 39):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً} [38- 39].
{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} أي: مستخلفين فيها، أباح لكم منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة: {فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً} أي: بغضاً شديداً {وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً}.

.تفسير الآية رقم (40):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً} [40].
{قُلْ} أي: تبكيتاً لهم: {أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} أي: شركة في خلقها: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ} أي: حجة وبرهان، بأنه أذن لهم في الإشراك: {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً} أي: في قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله.

.تفسير الآيات (41- 43):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [41- 43].
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} أي: ما أمسكهما: {مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} يعني إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} وفي معنى الآية قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: 156- 157]. وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الصافات: 167- 170].

.تفسير الآيات (44- 45):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [44- 45].
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} أي: بما اقترفوا من معاصيهم: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} أي: من نسمة تدب، لشؤم معاصيهم، والضمير للأرض لسبق ذكرها: {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل معلوم عنده: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} أي: فإذا جاء أجل عقابهم فإن الله كان بعباده بصيراً بمن يستحق أن يعاقب، وبمن يستوجب الكرامة.

.سورة يس:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {يس} [1].
{يس} تقدم الكلام في مثل هذه الفواتح مراراً. وحاصله- كما قاله أبو السعود- أنها إما مسرودة على نمط التعديد، فلا حظّ لها من الإعراب، أو اسم للسورة كما نص عليه الخليل وسيبويه، وعليه الأكثر، فمحله الرفع على أنه خبر محذوف، أو النصب، مفعولاً لمحذوف، وعليهما مدار قراءة: {يس} بالرفع والنصب.